لم تخرج من مكتبها منذ ثلاث ساعات ، تكتب ثم تمزق الورق حتى تكوم بجانبها مايكفى لصنع هرم صغير نظرت للورق بضيق واخذت تكتب
جاوزت الساعة السابعة وانا اتجول على غير هدى حتى صادفت ذلك المعرض " الحياة والموت " ربما هذا المزاج السوداوى هو مادفعنى للدخول او ربما هى حجة لقتل الوقت
امام تلك اللوحة تذكرتك .. لوحة لجثة امراة راقدة على ارضية خشبية ، وحيدة ، ربما كانت خائفة قبل موتها بلحظات لكنها انتظرت قدرها فى سكون دلت عليه قسماتها الخاشعة .. تذكرتك لانك انت قاتلى ، شبح الحنين الذى يفترسنى كل يوم يذكرنى بك ، عطرى يذكرنى بك هل مازلت تذكر عطرى وتفاصيلى الصغيرة ؟! مازالت الاماكن تسألنى عنك .. دون ان اجيبها بشيء يفسر غيابك
انظر للصورة واتسائل ، ماذا لو كنت انا تلك الجثة الراقدة ، هل سيفتقدنى ؟ اعلم رغم كل شيء انه سيفعل وسيحزن بصدق على رحيلى ، وربما منحه رحيلى الابدى معنى " الاسطورة " بكافة تفاصيلها الحزينة الموجعة ، وما فكرت فيه اكثر هو الحقيقة التى تنتظرة ليكتشفها يوما ما ، حينها سيقف على قبرى يطلب منى الصفح ، لكن .. هل يسمع الموتى ؟ هل يصفح الموتى ؟ "
توقفت وهى تفكر انها ترتكب ذات الحماقة كل مرة ، فكل بطلاتها يملكن عيون واسعة وشعر كستنائي ووحيدات لا تعرف لماذا لم تكتب عن الشقراوات مثلا فبطلها السابق كان يفضلهن شقراوات او عن سيدة مسنة ماتت وحيدة بعد ان سافر الابناء ، لكنها حماقتها المعتادة فبطلاتها دوما يعبرن عنها ، عن جزء من روحها ، لم تكتب عن امراة سواها " متوحدة داخل ذاتها وتحلم على الورق " لذلك هى تشعر بالغربة و الغيرة هذه المرة وهى تكتب عن امراة غريبة عنها ، امرأة ليست من دمها فكأنها تكتب لتسجل حدثا ادبيا او تاريخيا لانثى عاشت هنا ذات يوم
تحاول ان تركز على انهاء قصتها فوظيفتها فى المجلة على المحك فما تكتبه لايسترعى انتباه كثيرين ولولا ان رئيس التحرير ينتمى لها بصلة قرابة بعيدة لكانت خارج البلاط الادبي منذ سنوات ، تعود و تنظر للورق ، تجتاحها مشاعر سلبية تجاه البطلة التى تسرق منها الاضواء فى هذه القصة ، تلمع فكرة بعينيها فتأخذ القلم وتستأنف
" انها الثامنة الان ، نظرت لساعتها التى تجبرها على الرحيل فقد تخطت الحاجز الزمنى لميعاد وجودها اليومى بالمنزل منذ ساعتين تهم لتعبر الطريق فتستوقفها تلك الفتاة الصغيرة التى تلح عليها فى شراء وردة منها تتأمل الفتاة ذات السبعة اعوام بملابسها الرثة وتمنحها بعض النقود لكن الفتاة تصر ان تأخذ منها الوردة لانها لا تتسول فتأخذها و لاتستطيع ان تمنع ابتسامة رقيقه تعلو وجهها وتهم مسرعة تعبر الطريق كى تلحق بالتاكسي الفارغ على الجانب الاخر ، فتصدمها سيارة وتقذفها عدة امتار فى الهواء لتستقر على الارض تتناثر حولها الدماء
يلتف الناس .. وهى راقدة على الارض ، وحيدة لكنها لم تكن خائفة قبل موتها بل كانت واثقة ، ماتت فى سكون دلت عليه قسماتها الخاشعة ممسكة بيديها وردة حمراء ملوثة بدمائها
وكأنها نسخة مجسدة من لوحة كانت معلقة على الجدران منذ قليل
تــمـت
تركت القلم بعد كلمة تمت ، انفاسها تتلاحق ويعلو فمها ابتسامة نصر كبيرة والتى لا تعلم حتى الان هل هى سعيدة بأنهاء قصتها ؟ ام بموت البطلة ؟ .. هل كانت تلك النهاية قدرية ؟ ام انها نهاية انتقامية تعمدت فيها قتلها ؟؟؟
و رويدا اختفت تلك الابتسامة ليحتل مكانها وجوم صامت .. حــــزيـن
- تـــمـــــــت -